مآذن المساجد.. جماليات الإبداع وإشارات التوحيد

مآذن المساجد.. جماليات الإبداع وإشارات التوحيد
الوقائع الاخبارية : المئذنة هي مكان انطلاق الأذان، لكنها لم تكن موجودة منذ بداية ظهور الإسلام وانتشاره، حيث كان النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- يصلي بغير أذان في السنة الأولى من الهجرة إلى أن بنى مسجده بالمدينة.

وكان الصحابي بلال بن رباح مؤذن الرسول (صلى الله عليه وسلم) يؤذن من أعلى مكان، ويوم فتح مكة أمره الرسول (صلى الله عليه وسلم) بأن يؤذن من فوق الكعبة المشرفة. أما أول مئذنة في الإسلام هي مئذنة مسجد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بمحافظة دومة الجندل بمنطقة الجوف بشبه الجزيرة العربية.

أمر الصحابي عمر بن الخطاب ببنائها أثناء ذهابه إلى بيت المقدس عام 16 هجرية، ولا تزال المئذنة على شكلها الأول بعد أكثر من 14 قرنا.

وبني المسجد بشكل أقرب للمستطيل، وبه من الداخل رواق القبلة، ومحراب ومنبر وصحن، بالإضافة إلى ساحة المسجد والمصلى.

أما المئذنة الخاصة به فتتكون من قاعدة مربعة الشكل، طول ضلعها 3 أمتار، ويقل قطر الجدران كلما اتجهنا إلى أعلى حتى تنتهي المئذنة بقبة شبه مخروطية.

ويبلغ ارتفاع المئذنة حاليا حوالي 13 مترا، وتتكون من الداخل من 4 طوابق، وكان لها سلم حجري داخلي، لكنه تآكل مع الزمن.

المآذن العباسية الحلزونية
بعد ذلك شيدت المآذن بأشكال وارتفاعات مختلفة، تتراوح بين الهياكل السميكة المربعة إلى الرفيعة الحلزونية. ويوجد غالبا أساس مربع الشكل متصل بالمسجد، ثم يرتفع بشكل مربع أو سداسي أو ثماني أو دائري.

توجد المئذنة الأقدم في العالم بعد مئذنة مسجد عمر بن الخطاب في القيروان بتونس وهي مئذنة مسجد عقبة بن نافع، الذي يعد من أهم وأكبر المعالم الإسلامية في شمال أفريقيا.

شيدت تلك المئذنة على الطراز العباسي، بارتفاع 31.5 مترا وقاعدة مربعة طول ضلعها 10.7 أمتار من كل جانب.

وعلى نفس الطراز العباسي بنيت مئذنة الجامع الكبير في سامراء بالعراق واشتهرت باسم الملوية بسبب شكلها الحلزوني، وتعد من أشهر معالم العمارة العباسية في سامراء.

المآذن الأندلسية أبراج رباعية
يطلق على المآذن في بلاد المغرب العربي والأندلس لفظ الصوامع، بسبب شكلها المربع الذي يشبه أبراج الصوامع، عكس المآذن الشرقية التي اختارت شكلا دائريا.

تقع المآذن الأندلسية في شكل رباعي أو ثماني الأضلاع، وزخارفها مستمدة من الطراز الأندلسي. وبدأت المآذن الأندلسية بقاعدة مربعة وطول لا يتعدى 5 أضعاف عرضها، للحفاظ على توازنها.

ومن أشهر مساجد الأندلس مسجد المنستير وهو أحد المساجد القليلة التي بقيت بعد سقوط الأندلس، وكان قد بني على موقع كاتدرائية قديمة. وأصبح المسجد حاليا مزارا سياحيا وما زال محتفظا بشكله المميز للطراز الأندلسي.

المآذن المملوكية
تمتاز مآذن العصر المملوكي بأنها تبدأ بقاعدة مربعة يعلوها جزء مثمن، ثم جزء دائري، وتنتهي المئذنة برأس أو رأسين.

ومن أشهر المساجد المملوكية جامع المؤيد شيخ بالقاهرة الذي يطلق عليه مسجد السلطان السجين، وله مئذنتان فوق باب زويلة، كما كان توجد له مئذنة ثالثة تهدمت مع الوقت.

تتكون كل مئذنة من قاعدة مربعة تبلغ ثلث ارتفاع المئذنة، ثم تتحول إلى مثمن، يعلو المثمن 4 صفوف من المقرنصات التي تحمل شرفة مثمنة يلتف حولها سياج حجري بزخارف هندسية. أما نهاية المئذنة فهي على شكل قُلة مقلوبة.

تعتبر تلك المئذنة من أكثر مآذن العصر المملوكي جمالا وارتفاعا، خاصة أن المعماري استغل برجي باب زويلة ليضع المئذنتين فوقهما، ليصبح الشكل أكثر جمالا.

المآذن الأموية
أشهر مآذن العصر الأموي هي مئذنة العروس أحد مآذن المسجد الأموي الكبير بدمشق. وتقع المئذنة في منتصف الرواق الشمالي للجامع الأموي، وهي مئذنة أموية الجذور، تتربع على برج مربع الشكل، يزيد ارتفاعه على 30 مترا.

وتوجد على جهاتها الأربع فتحات قوسية؛ فتحتان لكل جهة، ضمن قوس أكبر يضمها وصولا إلى الشرفة التي ترتكز على ركائز من المقرنصات عددها 14 ركيزة.

سميت المئذنة باسم العروس لأنها كانت تتوهج بالأنوار والإضاءات أثناء الغروب لتشبه العروس، بالإضافة إلى أنها كانت مذهبة من أسفل قاعدتها إلى أعلاها.

المآذن العثمانية
تتميز المساجد العثمانية بمآذن أنيقة تشبه القلم الرصاص، وغالبا ما تكون محددة، وتنتهي بغطاء مخروطي ممدود مغطى بالرصاص.

وقد تحتوي المآذن على شرفة واحدة أو أكثر، وغالبا ما ترتكز على أقبية ذات مقرنصات.

وتستخدم المقرنصات بشكل انتقائي في أماكن معينة، مثل الجانب السفلي من شرفات المآذن أو فوق النوافذ والبوابات، وتستخدم كعناصر حاملة مما يسمح بتوزيع وزن القباب على الجدران التي ترتكز عليها، كما في مسجد السليمانية بإسطنبول.

المآذن المغولية
امتازت مآذن العصر المغولي بالارتفاع الشاهق والقطر الكبير الذي يقل بشكل تدريجي، كما كانت تحتوي على زخارف نباتية متداخلة مثل مسجد قوة الإسلام بدلهي. في مراحل متقدمة ظهر مسجد تاج محل بمآذنه البيضاء العالية المائلة قليلا إلى الخارج.

المآذن كغاية جمالية
في النهاية مهما اختلف شكل المآذن فإنها تبقى واضحة ومختلفة عن كل المباني المحيطة بها. وعند النظر إليها وهي مرتفعة في السماء يتبادر إلى الذهن معنى التوحيد، جوهر الدين الإسلامي.

في أحيان أخرى تشبه المئذنة جذع النخلة، ما يحيلنا إلى المجتمع الإسلامي الأول، بالإضافة إلى الشكل الأسطواني للمئذنة الذي يشير إلى اللانهائية وما تعنيه من إشارة إلى الله الخالق العظيم.
تابعوا الوقائع على