مجلة شهرية - العدد (572)  | مايو 2024 م- ذو القعدة 1445 هـ

الخط العربي توقيف وتوفيق.. تاريخ وأصل الخط العربي.. نقوشه ومدارسه

ورد في المعجم الوجيز: الخط: السطر والكتابة ونحوهما ومما يخط. (المعجم الوجيز، 1993م، 203).
وورد في مختار الصحاح: خط: بالقلم، أي كتب (محمد بن أبي بكر عبدالقادر الرازي 1999,158).
وتذكر معاجم اللغة العربية أن (الخط والكتابة والتحرير والرقم والسطر) كلها بمعنى واحد، وتعني نقل الأفكار من عالم العقل إلى العالم المادي بواسطة أعمال اليد، خوفاً من النسيان، وذلك برسم أشكال للحروف متعارف عليها (معروف رزيق، 1999م، 11).
وعن مفهوم الخط يورد (القلقشندي 3/8/1987م): إن اللفظ معنى متحرك والخط معنى ساكن، وهو وإن كان ساكناً فإنه يفعل فعل المتحرك بإيصاله كل ما تضمنه إلى الأفهام، وهو مستقر في حيزه ومكانه. وكما أن اللفظ فيه العذب الرقيق السائغ في الأسماع؛ كذلك الخط فيه الرائق المستحسن الأشكال والصور.
الأصل النظري حول نشأة الخط العربي
الكتابة العربية جزء من الحضارة الإسلامية، ولحروفها ميزة جمالية جعلت من أشكالها فناً مميزاً بين فنون العالم. ويكاد يكون مستحيلاً معرفة أول من خط العربية، لعدم وجود دليل تاريخي يمكن الاعتماد عليه في تحديد شكل الحرف العربي وموطنه، وأغلب المعلومات التي وقف عليها الكثير من الباحثين لم تكن دليلاً منطقياً ولا علمياً، وذلك لاعتمادها على الروايات الشفوية، فتعددت آراء المؤرخين في أصل الخط والكتابة.
نظرية التوقيف
مفادها أن أصل الكتابة العربية (توقيف) من عند المولى تعالى، أنزلها على آدم عليه السلام، ودليلهم في ذلك: (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) (الآية 3 و4 من سورة العلق)، وقوله تعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا) (سورة البقرة، 31). وذكر الكردي ما جاء في صبح الأعشى للقلقشندي ما نصه: (إن أول من وضع الخطوط والكتب كلها آدم عليه السلام، كتبها في طين وطبخه قبل موته بثلاثمئة سنه، فلما أصاب الأرض الغرق وجد كل قوم كتابهم، وقيل: (إنها أنزلت على آدم عليه السلام في إحدى وعشرين صفحة)، وإن الله تعالى علم آدم سبعمئة ألف لغة، فلما وقع في أكل الشجرة سلبت منه اللغات عدا اللغة العربية، فلما اصطفاه للنبوة رد إليه جميع اللغات، فكان من معجزاته تكلمه بجميع اللغات) (محمد طاهر الكردي، 1939م، 24).
نظرية التوفيق
وهي أن الكتابة العربية (توفيق)، أي من اختراع الإنسان، واختلفت الآراء: فبعض المصادر نسبتها إلى جماعات، وبعضها إلى أفراد، وأخرى نسبتها إلى أنها اشتقت من كتابات قديمة. وذكر الكردي نقلاً من كشف الكنوز (أن الله تعالى خلق لآدم علماً ضرورياً بمعرفة الألفاظ والمعاني، وأن هذه الألفاظ موضوعة لتلك المعاني) (المرجع السابق، 24).
وورد أن أول من خط بالقلم بعد سيدنا آدم سيدنا إدريس عليه السلام، وأول من كتب بالعربية سيدنا إسماعيل عليه السلام، وأول من كتب بعد سيدنا داود عليه السلام سيدنا سليمان عليه السلام، وأول من كتب بالعبرانية سيدنا موسى عليه السلام. وقيل إن نفيساً ونصراً وتيماً ودومة أولاد نبي الله إسماعيل هم أول من وضعوا الكتابة العربية متصلة الحروف بعضها ببعض حتى الألف والراء. وقيل: (إن ستة أشخاص من جزيرة العرب كانوا نزولاً عند عدنان بن أدر وضعوها على أسمائهم، وهم: (أبجد، هوز، حطي، كلمن، سعفص، قرشت)، فلما وجدوا في الألفاظ حروفاً ليست من أسمائهم ألحقوها بها وسموها بالروادف). وقيل أول من وضع الخط ثلاثة رجال من طي من قبيلة بولان سكنوا الأنبار اجتمعوا فوضعوا الحروف، وهم: مرامر بن مرة وأسلم بن سدرة وعامر بن جدرة، وضع الأول الحروف، والثاني فصل ووصل، والثالث وضع الإعجام، وقد أخذ أهل الحيرة الكتابة عنهم، وتعلم منهم أهل الأنبار، ومنهم تعلم أهل الحيرة وسائر عرب العراق، ثم انتقلت الكتابة بعدها إلى شمال شرقي نجد، ثم إلى الطائف، ومن ثم أهل مكة لتعم الحجاز (البلاذري، 1957م، ط 3,579).
ويروي (البلاذري، ط 1957م، 3,579) رواية تعزز أصل الكتابة الحيري أو الأنباري مرفوعة لابن عباس رضى الله عنهما، نصها: أن رجلاً قال لابن عباس: من أين أخذتم معاشر قريش هذا الكتاب قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم، تجمعون منه ما اجتمع وتفرقون منه ما افترق. قال: أخذناه عن حرب بن أمية، قال فممن أخذه حرب؟. قال: من عبدالله بن جدعان. قال: فممن أخذه ابن جدعان؟ قال: من أهل الأنبار. قال فممن أخذه أهل الأنبار؟ قال: من أهل الحيرة قال: فممن أخذه أهل الحيرة؟ قال: من طارئ طرأ عليم من اليمن وكندة. قال فممن أخذه ذلك الطارئ؟ قال: من الخفلجان كاتب الوحي لهود عليه السلام.
لم تتوقف المصادر العربية القديمة عند هذا الرأي في أصل الخط العربي، فجاء  ابن خلدون وبنى رأيه على هذا الرأي في أصل الخط العربي، حيث قال:
(وقد كان الخط العربي بالغاً مبالغه من الإحكام والإتقان والجودة في دولة التبابعة، لما بلغت من الحضارة والترف. وهو المسمى بالخط الحميري، وانتقل منها إلى الحيرة، لما كان بها من دولة آل المنذر نسباء التبابعة في العصبية والمجددين لملك العرب بأرض العراق، ولم يكن الخط عندهم من الإجادة كما عند التبابعة لقصور ما بين الدولتين، فكانت الحضارة وتوابعها من الصنائع وغيرها قاصرة عن ذلك، ومن الحيرة لقنه أهل الطائف وقريش فيما ذكر... فالقول بأن أهل الحجاز إنما لقنوها من الحيرة ولقنها أهل الحيرة من التبابعة وحمير هو الأليق من الأقوال.
الرأي المادي الحديث حول نشأة الخط العربي
الدولة النبطية امتدت من سيناء إلى شمال الجزيرة العربية، وعاصمتها (البتراء)، حيث كانت مركزاً تجارياً مهماً يربط كل الطرق التجارية من الشام ومصر وشمال أفريقيا. والأنباط أغاروا على الأقاليم الآرامية، والتي اكتسبت لغتها واشتقت لنفسها خطاً مع احتفاظها باللغة العربية (بلال عبدالوهاب الرفاعي، 1990م، 36).
وبالرغم من زوال الدولة النبطية، إلا أن كتابتهم ظلت هي المعتمدة لدى العرب إلى ما يقرب من ثلاثة قرون، وهذا يدل على أن العرب مروا بثلاث مراحل في كتابتهم:
المرحلة الأولى: الكتابة الآرامية
كانت اللغة الآرامية وكتابتها في البداية مقصورتين على الممالك الآرامية في بلاد الشام. ولما قامت الإمبراطورية الآشورية في العراق في العصر الآشوري الحديث، وتوسعت غرباً في بلاد الشام، وانتشر الآراميون أنفسهم شرقاً حتى استقر بعضهم في وادي الرافدين، واستولوا على بابل؛ صارت الآرامية لغة عالمية في أرض كنعان، فاتخذتها الإمبراطورية الآشورية لغة رسمية بين شعوب إمبراطوريتها، فحلت محل اللغة الفينيقية، شاملة الفينيقيين أنفسهم والعبرانيين في القرن السابع قبل الميلاد. وعند سقوط الإمبراطورية الآشورية نحو 602 ق.م بأيدي الفرس، إلى أن ورثت الإمبراطورية الفارسية كل رقعة الإمبراطورية البابلية وزادت عليها؛ اتسعت دائرة اللغة الآرامية وكتابتها لتشمل المنطقة من أفغانستان شرقاً إلى بلاد الأناضول غرباً، وشمال الجزيرة العربية ومصر جنوباً. فصار للآرامية لغة وكتابة فرعان رئيسان، هما الآرامية الشرقية والغربية.
ظلت الآرامية سائدة في مختلف صورها في بلاد الشام والعراق حتى جاء الإسلام، فحلت محلها اللغة العربية الفصحى وكتابتها لتكون لغة رسمية عالمية في المنطقة. لكن الآرامية لم تختلف تماماً، بل ظلت مستمرة في بعض صورها وزائدة نسبياً في الانتشار مما أدى إلى ظهور صيغ لها، مختلفة اختلافات طفيفة فيما بينها في بلاد الشام والعراق (عبدالقادر محمود عبدالله، 2014م، 54).
ومن النماذج المهمة للكتابة الآرامية النقوش الآتية:
أ/ نقش بر_ هدد، ملك آرام:
النقش من أقدم النقوش الآرامية يرجع تاريخه إلى منتصف القرن التاسع قبل الميلاد. ولموقعه ونقش زكور من بداية تبلور الكتابة الآرامية؛ فإن مرحلتهما توصف بالمرحلة الفينيقية-الآرامية، بالإضافة إلى السمات الموروثة من الفينيقية. بعد تذكر أن م ل ك ء ر م (ملك آرام) في النقش الكامل.
ب/ نقش زكور ملك حماة:
نقش زكور من آخر القرن التاسع قبل الميلاد، مؤرخ بنحو 800 ق.م، ينتمي للمرحلة المبكرة للكتابة الآرامية الموصوفة بالفينيقية- الآرامية. فيه سمات الكتابة الفينيقية بالإضافة إلى أخرى خاصة به.
مرحلة نضوج النبطية
وفيها أخذ الحرف النبطي يميل إلى التدوير، ويعتقد كثير من الباحثين أن العرب اشتقوا خطهم من آخر ما وصل إليه الخط النبطي. ويرى الباحث أن هنالك تشابهاً بين الخط النبطي والخط العربي الذي تحرر بعد قرنين من الزمن، حيث وصلت الكتابة العربية إلى الجزيرة العربية عن طريقين: الأول الطريق الدائري من حوران إلى وادي الفرات الأوسط، حيث الحيرة والأنبار ثم دومة الجندل فمكة والطائف؛ والطريق الثاني من ديار الأنباط للبتراء إلى العلا في شمال الجزيرة العربية ثم المدينة، وفيها أخذ الخط العربي صورته الحالية متحرراً من الشكل النبطي. ومن الشواهد التي دعمت هذه النظرية وجود العديد من النقوش في مناطق مختلفة من الجزيرة العربية وبلاد الشام قسمت إلى قسمين، تبعاً للمرحلة الزمنية (بلال عبدالوهاب الرفاعي، 1990م، 37).
النقوش الثمودية: يرجع تاريخها بين القرن الرابع قبل الميلاد والخامس الميلادي، وجدت في العلا ومدائن صالح شمال المدينة المنورة.
النقوش اللحيانية: يرجع تاريخها إلى القرنين الخامس والثالث قبل الميلاد، وجدت شمال مكة المكرمة.
النقوش الصفوية: ويرجع تاريخها من القرن الأول قبل الميلاد إلى منتصف القرن الرابع الميلادي، ووجدت في جبال صفا شرق بلاد الشام، وهذه النقوش غطت فترة تسعة قرون، وهي نقوش شديدة القرابة من العربية الصريحة التي انتشرت مع الإسلام، مع وجود بعض الاختلافات البسيطة كأداة التعريف (ال) في العربية وفي النقوش، كما في الكتابة العبرية والكنعانية (المرجع السابق، 37).
وتؤكد مجموعة من النقوش أن الكتابة انتقلت من الآراميين إلى النبطيين حتى تطورت ووصلت إلى العربية عبر مراحل تطورها. وحتى لا يتوه القارئ في تفاصيل ما ذكر من النقوش الآرامية والنبطية في تتبع أصل الكتابة العربية الوسطى؛ فإن الباحث اصطفى منها (ثمانية)، رأى أنها تبلغ المراد في تقصي ظهور الكتابة العربية الوسطى، وهي كل من:
1 - نقش العلا
تقع العلا شمال المملكة العربية السعودية، قرب مدائن صالح، مؤرخ بالسنة الأولى لحارثة (الثاني) ابن عبادة الثاني ملك النبط سنة 9 ق.م، بالإضافة إلى ما في النقش من سمات نبطية، بعضها موروث من الكتابة الآرامية.
2 - نقش مدائن صالح
النقش لمجيرو بن مجيرو الحجري المنسوب إلى الحجر، أي ساكن الحجر. كما وصفه النقش، المكتوب على قبره في مدائن صالح، شمال العلا في شمال المملكة العربية السعودية، هو من نقوش الحجر النبطية، ومؤرخ بالسنة الخامسة لربئيل ملك النبط، لسنة 76 ق.م، وفية التوجه نحو الشبه بحروف العربية الفصحى (عبدالقادر محمود عبدالله، 2014م، 78).
3 - نقش أسيس
النقش من جبل أسيس من بادية حوران، مؤرخ في نفسه بسنة 423 من تقويم بصرى (528م)، السابق للتقويم الميلادي بمئة وخمس سنوات. لا حاجة بالمرء لكثير عناء لقراءة النقش بالرغم من خلوه من الإعجام، كما لا حاجة للنقش نفسه إلا ببعض الملحوظات المهمة، التي ترى تقدم العربية في هذه المرحلة، قبل مولد الرسول عليه الصلاة والسلام بأقل من نصف قرن (المرجع السابق، 103).
4 - نقش أم الجمال الأول
عثر على هذا النقش في أم الجمال الواقعة جنوب حران شرق الأردن في قبر فهر بن سلمى سنة 250م، وتعود كتابته إلى أواسط القرن الثالث الميلادي، وتتميز بشدة قربها من الكتابة النبطية، وترجع أهمية هذا النقش التاريخي في بدء استعمال القلم النبطي عند ملوك العرب، والذي يؤكد صلة الأمر الحاكمة لعرب العراق والشام.
5 - نقش أم الجمال الثاني
يرجع تاريخه إلى القرن السادس الميلادي، ويظهر فيه الأثر النبطي، وهي كتابة عربية واضحة وإن كانت بعض حروفها رسمت بالنبطي. ويعتبر من النقوش الحديثة المكتشفة في سوريا عام 1904م من قبل بعثة أمريكية من جامعة ترنستن، وسمي بأم الجمال الثاني للتفرقة بينه وبين شاهد قبر امرئ القيس.
6 - نقش النمارة
اكتشف في العام 1901م على بعد ميل واحد من نمارة جنوب سوريا، يعود تاريخه إلى 328م، وهي كتابة نبطية بحروف عربية قريبة من لهجة قريش، وهو شاهد قبر امرئ القيس، وهو من أقدم الكتابات العربية التي عثر عليها حتى الآن، ونلاحظ فيه مدى التطور في شكل الحرف.
7 - نقش زبد
اكتشف في زبد بالقرب من حلب على حجر مثبت في بناء كنسي، يعود تاريخه إلى عام (511 – 512م)، ويحتوي على ثلاث كتابات هي اليونانية-السريانية-الخط النبطي المتأخر أي الخط العربي القديم.
8 - نقش حران
عثر عليه في المنطقة الشمالية من جبل الدروز، ويعود تاريخه إلى سنة 568م. وهو مكتوب باليونانية والعربية على حجر، ويعود هذا النقش لأمير من كندة وصفه على باب كنيسة عند افتتاحها بمناسبة أقيمت للقديس يوحنا.
مدارس الخط العربي
تأسست مدارس عدة لفن الخط، كل واحدة منها تميزت بأسلوبها الخاص، مستمدة غناها من الفنون المحلية، وبالتالي ظهرت المدرسة الأندلسية المغربية والإيرانية والعثمانية، الشيء الذي لم يمنع أيضاً البعض منها بأن يتأثر بالأساليب التي ظهرت خلال العصر الذهبي الذي عرفته الحضارة الإسلامية بين القرنين الثاني والسابع الهجري. فالمدرسة الخطية هي ابتكار حرف جديد له منهج ورؤية وقواعد يسير عليها الخطاطون.
المدرسة الشامية
نشأة الدولة الأموية بعد نهاية عهد الخلفاء الراشدين، وانتقلت من المدينة المنورة إلى دمشق، واهتم خلفاء بني أمية بأمر الكتابة لأهميتها في نشر الدعوة الإسلامية وفي تدوين الرسائل التي ساعدت على تجويد الكتابة واختراع الأقلام وتنوعها. انتهت جودة الخط إلى رجلين من أهل الشام هما الضحاك في خلافة السفاح والذي طور في كتابات قطبة المحرر وإسحاق بن حماد في خلافتي المنصور والمهدي. كما واكبت المدرسة الشامية في مستوى الخطوط كل من المدرسة العثمانية والمصرية.
ومن أشهر خطاطي هذه المدرسة ممدوح الشريف (1353هـ/1934م) الذي برع في الثلث المركب ودرس على يد يوسف رسا. ومصطفى الحسن السباعي الذي توفي 1918م، وهو مؤلف رسالة اليقين في معرفة أنواع الخطوط، وذكر بعض الخطاطين من الترك والفرس والعرب. ومحمد بدوي الديراني، ولد عام 1880م، وبرع في جميع الأقلام، وبخاصة خط الثلث. ومحمد حسني وسليم حنفي والشيخ صادق الخياط ونسيب مكارم وحلمي حباب وفؤاد نوفل أسطفان وعبدالقادر الصيداوي الذي ألف كتاب (وضاحة الأصول في الخط)، ذكر فيها آلات الكتابة وقواعدها وآدابها (إبراهيم جمعة، 1947م، 62).
المدرسة التركية العثمانية
منذ أن أصبحت إسطنبول مركزاً للخلافة الإسلامية صارت قبلة الخطاطين، ولم ينقطع عنها فن الخط العربي إلى يومنا هذا. وكان لمركز الأبحاث في التاريخ والفنون والثقافة الإسلامية والذي أنشأ المسابقة الدولية لفن الخط؛ دور مهم في مجال البحث العلمي لهذا الفن، من خلال أئمة الخط الذين دفعوا بمسيرة الخط والتجويد والتطور (عبدالعزيز الدالي، 1980م، 69).
اهتم الأتراك العثمانيون كثيراً بأمر الخط العربي، فاستقدموا من بلاد إيران والعراق عدداً من الخطاطين تعلموا على أيديهم الثلث والنسخ والفارسي. وبلغ عند الأتراك احترام الخط أن بعض سلاطينهم كانوا يمارسونه على يد كبار الخطاطين، فتتلمذ السلطان مصطفى خان الثاني وأحمد خان الثاني على يد الحافظ عثمان، كما تتلمذ السلطان محمود خان الثاني على يد مصطفى راقم، والسلطان عبد الحميد الثاني على يد الخطاط عزت ونال منه الإجازة (كامل البابا، 1998م، 123).
واهتم العثمانيون بخطي النسخ والثلث، وطوروا في شكل الحرف وتجويده، وذلك ما نلاحظه من بعض الإضافات، خصوصاً في خط الثلث مقارنة مع كتابة ابن البواب. وابتدع الأتراك أنواعاً أخرى من الخطوط كالديواني والهمايوني والرقعة والطغراء، ولهم أسلوبهم المميز في الكتابة، إذ امتازوا بالصبر والدقة، وهما في نظر الباحث أهم أسباب نبوغهم الفني.
ويعتبر الشيخ حمدالله الأماسي عماد المدرسة العثمانية، إذ واصل من حيث ما انتهى إليه ياقوت والحافظ عثمان الذي أضاف قوة للحرف، ومصطفى راقم الذي تتلمذ على يد إسماعيل الزهدي وعلى يد حافظ عثمان، وراقم تميز ببراعة التصميم في اللوحة المركبة بخط الثلث، ومحمد شوقي الذي درس على يد خاله خلوصي ومحمد نظيف، ومحمد سامي أفندي تلميذ راقم نهج أسلوب راقم في الثلث الجلي كما برع بعلامات التشكيل في الحروف، وإسماعيل حقي تلميذ والده محمد حلمي، وسامي أفندي ومحمد أمين يازجي والشيخ عبدالعزيز الرفاعي الذي درس على يد عارف أفندي، ومصطفى عبدالحليم أوزيازيجي وحامد الآمدي وأحمد كامل ومحمود جلال الدين (محمد بن سعيد الشريفي، بدون، 224).
أما الأسلوبية، فهي الملكة الفردية والقدرة الإبداعية عند الخطاط. لكل خطاط أسلوب معين في الكتابة، ولكن يبقى هناك مرجعية مركزية يعود إليها الخطاط.
المدرسة العراقية
المدرسة العراقية من أولى مدارس التجويد للخط العربي، نبغ فيها الضحاك وإسحاق بن حماد والشجري والأحوال. ويرجع الفضل لهذه المدرسة في تحوير الخط الكوفي اليابس إلى اللين على يد الوزير ابن مقلة وأخيه عبدالله بن مقلة، حيث أكملا ما بدأه قطبة المحرر في تحوير الكوفي إلى اللين. وللوزير ابن مقلة دور كبير في وضع قواعد الخط العربي، حيث له رسالة في (علم الخط والقلم) ورسالة أخرى سماها (ميزان الخط العربي) (عفيف البهنسي، 1995م، 23)، ثم طور من بعده ابن البواب وله رسالة في الخط وقصيدته الرائية التي تحدث فيها عن تقنية وأسرار الخط، ثم تلاه ياقوت المستعصمي الذي كان له الفضل في إكمال خصائص الخط وإرساء قطة القلم.
ومن أشهر خطاطي هذه المدرسة الشيخ صالح السعدي المتوفي 1830م والحاج محمد علي صابر المتوفي 1961م والملا عارف الشيخلي المتوفي 1942 والخطاط هاشم محمد البغدادي الذي نبغ في الخط، ودرس على يده كثير من الخطاطين في معهد الفنون الجميلة ببغداد وله كراسة في قواعد الخط العربي. (عفيف البهنسي، 1999م، 71).
ومن أشهر الخطاطين المعاصرين حالياً الأستاذ عباس شاكر جودي البغدادي والأستاذ صلاح الدين شيرزاد.
المدرسة المصرية  
يعد العصر المملوكي (1250 - 1517م) العصر الذهبي للمدرسة المصرية في فن الخط العربي، ولا سيما بعد سقوط الخلافة العباسية في بغداد على يد المغول عام(656هـ - 1258م). وتعد دار الكتب المصرية أول مكتبة وطنية في العالم العربي تضم أكبر وأقيم المصادر والمراجع العلمية، خصوصاً كتب الخط العربي. وعندما تولى محمد علي السلطة استقدم من إيران خطاطاً للخط الفارسي ومن تركيا خطاطين لتزيين المنشآت العامة بالخطوط والزخارف ومنها مسجد القلعة. ثم استقدم الخديوي إسماعيل الخطاط عبدالله الزهدي خطاط الحرمين الشريفين (إبراهيم جمعة، 1947م، 81)، فكان له أثر واضح في خط الثلث على المدرسة المصرية. كما استقدم الملك فؤاد الشيخ عبدالعزيز الرفاعي لكتابة مصحف شريف وتذهيبه والتدريس بمدرسة تحسين الخطوط الملكية (1869 - 1936) وأخذ نهجه كثير من تلاميذه في خط الثلث والنسخ والديواني.
ومن أشهر الخطاطين المصريين: محمد أفندي إبراهيم والشيخ على بدوي تلميذ محمد مؤنس ومصطفى غزلان الذي تميز بالخط الديواني، وكان أسلوبه يستخدم في القصر، مما دفع هذا القلم نحو التطوير حتى عرف باسم مطوره غزلان. وحسن حسني ومحمد رضوان وحسن سري تلميذ عبدالله الزهدي ونجيب هواويني ويوسف أحمد الذي اشتهر بإحياء الخط الكوفي. وسيد إبراهيم ومحمد علي المكاوي وسيد عبدالقوي ومحمد عبدالقادر عبدالله ومحمود إبراهيم سلامة. (محمد بن سعيد الشريفي، بدون، 152,153).

ذو صلة